أدهشتني لعبة الملاهي سفينة القراصنة «سوبر فايكينج»، وكذلك دجاج «بوبايز» المقرمش وتماثيل الجنود، وسينما الحركة في المنطقة منزوعة السلاح بين شطري شبه الجزيرة الكورية.
وكنت قد تخيلت أن الرحلة إلى هذه المنطقة الممتدة بطول 155 ميلاً بين الكوريتين، ستنطوي على مشاهدة الأسلاك الشائكة وملامح قاتمة للأعمال الوحشية للحرب فحسب. لكن الواقع يمكن اعتباره فيلماً عالي الجودة من أفلام هوليوود! وسبقت زيارتي بشهر كامل الحلم الجيوسياسي الذي شهد زيارة دونالد ترامب.. أول رئيس أميركي تطأ قدمه كوريا الشمالية.
وفي الحقيقة، عكس لقاء الرئيس دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جون أون، مزيج الغرابة والبهاء اليومي الذي ينتظر 1.2 مليون سائح يزورون المنطقة منزوعة السلاح سنوياً. وبين المتنزه الترفيهي و«نفق التسلل»، قد يستكشف السياح أيضاً شيئاً غير متوقع بدرجة أكبر، ألا وهو: بارقة الأمل.
لقد سافرت مع مجموعة من الصحفيين الأميركيين إلى المنطقة الحدودية من العاصمة الكورية الجنوبية سيؤول، بينما تبدو كوريا الشمالية بعيدة بعد القمر. وتفادت الحافلة السياحية الجدار وأبراج الحراسة المتاخمة للطرف الجنوبي من المنطقة منزوعة السلاح قبل الوصول إلى «إمجينجاك»، وهو متنزه مخصص للحرب الكورية وتداعياتها المستمرة. ومن هنا بدأ صراع التناقضات!
والتحقنا بمجموعة من السياح يخرجون من الحافلات، وصعدنا لبدء البرنامج. ورائحة الدجاج المقلي العميقة التي تفوح من مطعم «بوبايز» امتزجت بالهواء العليل في صباح مشرق، بينما كان الأطفال يستمتعون بـ«سوبر فايكينج»، المعلم الرئيسي في متنزه «أرض السلام». وفي الجهة المقابلة، يوجد ما يسمى بـ«جسر الحرية» الممتد إلى الشمال عبر نهر «إمجين».
وأعيد زهاء 13 ألف أسير حرب إلى كوريا الجنوبية في عام 1953، بعد توقيع اتفاق هدنة، إيذاناً بتأسيس المنطقة منزوعة السلاح والكوريتين. ويعيق سياج من السلاسل الدخول، وزيّن الزائرون الحاجز بأشرطة ملوّنة وأعلام صغيرة تصف شبه الجزيرة الكورية وتحمل رسائل بخط اليد، معظمها يدعو إلى السلام أو الإعراب عن اللهفة لتوحيد الأسر عبر الحدود.
وعدنا إلى الحافلة وانطلقنا إلى «داسيونج دونج» أو «قرية الحرية». وتعتبر المدينة الكورية الجنوبية الوحيدة داخل المنطقة منزوعة السلاح موطناً لنحو 200 ساكن وسارية ارتفاعها 323 قدماً يعلوها علم وطني. وعلى بعد ميل يُرفرف علم كوريا الشمالية على ارتفاع 200 متر أعلى «كيجونج دونج» أو «قرية السلام».. القرية المناظرة في الشمال لجارتها في الجنوب. ويشير الكوريون الجنوبيون إلى هذه المنطقة الفارغة بوضوح بـ«قرية الدعاية»، لاسيما في ظل مبانيها ذات الطلاء اللامع وأزقتها المنسّقة، التي تتناقض مع الفقر السائد في الشطر الشمالي.
ورفرف علما البلدين جنباً إلى جنب في الهواء، بينما كنا نحدق عبر تليسكوب على طول المنطقة الحدودية بطول 2.3 ميل من مرصد «دورا». وحوّل نقص النشاط البشري على مدار أكثر من 60 عاماً المنطقة منزوعة السلاح إلى منطقة طبيعية بالصدفة. فالدببة السوداء وغزلان المسك وطيور الكركي وغيرها من الفصائل الأخرى مزدهرة هنا، طالما تتفادى 800 ألف لغم أرضي.
ويخفي مشهد التنسيق الحضري أن المنطقة منزوعة السلاح مقبرة جماعية غير واضحة المعالم. وتحت السطح دُفنت رفات زهاء 10 آلاف جندي كوري جنوبي و2000 جندي أميركي، إلى جانب عدد غير معروف من جنود كوريا الشمالية.
وحتى العام الماضي، كنت أتصور أن المنطقة بين البلدين يمكن أن تكون مقبرة لأفق السلام!
لكن الرئيسين ترامب وكيم التقيا، بتشجيع من الرئيس الكوري الجنوبي «مون جاي – إن»، مرتين لمناقشة إنهاء برنامج الأسلحة النووية الكوري الشمالي قبل «قمة المصافحة» الأسبوع الماضي في المنطقة منزوعة السلاح. وفي هذه الأثناء، أدت المحادثات بين زعيمي الكوريتين إلى تغييرات تدريجية في العلاقات بين البلدين، بما في ذلك إزالة 10 أبراج حراسة من كل جانب على الحدود، وحظر على الأسلحة في المنطقة الأمنية. وتمثل هذه الخطوات البسيطة أكبر تقدم نحو نزع فتيل الأزمة منذ نحو عقد، حتى وإن واجهت انتقادات بأنها مجرد خطوات رمزية إلى حد كبير.
وصلنا إلى المحطة النهائية في جولتنا، عند محطة قطارات «دوراسان» التي افتتحت في 2002 قرب الحدود الجنوبية للمنطقة منزوعة السلاح. ويتجه خط السكة الحديد إلى كوريا الشمالية، لكن منذ انطلاق قطارات الشحن لفترة قصيرة قبل عقد، لا يزال الطريق مغلقاً.
وبدت المحطة هادئة ونظيفة، بما في ذلك منطقة الجمارك، والجدول الزمني الإلكتروني، والسهم الذي يشير إلى محطة «توحيد الكوريتين».
وحتى الآن، ربما تكون هذه هي المحطة الأخيرة في الجنوب، لكن يوماً ما قد تصبح المحطة الأولى إلى الشمال.
*محلل سياسي أميركي
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
وكنت قد تخيلت أن الرحلة إلى هذه المنطقة الممتدة بطول 155 ميلاً بين الكوريتين، ستنطوي على مشاهدة الأسلاك الشائكة وملامح قاتمة للأعمال الوحشية للحرب فحسب. لكن الواقع يمكن اعتباره فيلماً عالي الجودة من أفلام هوليوود! وسبقت زيارتي بشهر كامل الحلم الجيوسياسي الذي شهد زيارة دونالد ترامب.. أول رئيس أميركي تطأ قدمه كوريا الشمالية.
وفي الحقيقة، عكس لقاء الرئيس دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جون أون، مزيج الغرابة والبهاء اليومي الذي ينتظر 1.2 مليون سائح يزورون المنطقة منزوعة السلاح سنوياً. وبين المتنزه الترفيهي و«نفق التسلل»، قد يستكشف السياح أيضاً شيئاً غير متوقع بدرجة أكبر، ألا وهو: بارقة الأمل.
لقد سافرت مع مجموعة من الصحفيين الأميركيين إلى المنطقة الحدودية من العاصمة الكورية الجنوبية سيؤول، بينما تبدو كوريا الشمالية بعيدة بعد القمر. وتفادت الحافلة السياحية الجدار وأبراج الحراسة المتاخمة للطرف الجنوبي من المنطقة منزوعة السلاح قبل الوصول إلى «إمجينجاك»، وهو متنزه مخصص للحرب الكورية وتداعياتها المستمرة. ومن هنا بدأ صراع التناقضات!
والتحقنا بمجموعة من السياح يخرجون من الحافلات، وصعدنا لبدء البرنامج. ورائحة الدجاج المقلي العميقة التي تفوح من مطعم «بوبايز» امتزجت بالهواء العليل في صباح مشرق، بينما كان الأطفال يستمتعون بـ«سوبر فايكينج»، المعلم الرئيسي في متنزه «أرض السلام». وفي الجهة المقابلة، يوجد ما يسمى بـ«جسر الحرية» الممتد إلى الشمال عبر نهر «إمجين».
وأعيد زهاء 13 ألف أسير حرب إلى كوريا الجنوبية في عام 1953، بعد توقيع اتفاق هدنة، إيذاناً بتأسيس المنطقة منزوعة السلاح والكوريتين. ويعيق سياج من السلاسل الدخول، وزيّن الزائرون الحاجز بأشرطة ملوّنة وأعلام صغيرة تصف شبه الجزيرة الكورية وتحمل رسائل بخط اليد، معظمها يدعو إلى السلام أو الإعراب عن اللهفة لتوحيد الأسر عبر الحدود.
وعدنا إلى الحافلة وانطلقنا إلى «داسيونج دونج» أو «قرية الحرية». وتعتبر المدينة الكورية الجنوبية الوحيدة داخل المنطقة منزوعة السلاح موطناً لنحو 200 ساكن وسارية ارتفاعها 323 قدماً يعلوها علم وطني. وعلى بعد ميل يُرفرف علم كوريا الشمالية على ارتفاع 200 متر أعلى «كيجونج دونج» أو «قرية السلام».. القرية المناظرة في الشمال لجارتها في الجنوب. ويشير الكوريون الجنوبيون إلى هذه المنطقة الفارغة بوضوح بـ«قرية الدعاية»، لاسيما في ظل مبانيها ذات الطلاء اللامع وأزقتها المنسّقة، التي تتناقض مع الفقر السائد في الشطر الشمالي.
ورفرف علما البلدين جنباً إلى جنب في الهواء، بينما كنا نحدق عبر تليسكوب على طول المنطقة الحدودية بطول 2.3 ميل من مرصد «دورا». وحوّل نقص النشاط البشري على مدار أكثر من 60 عاماً المنطقة منزوعة السلاح إلى منطقة طبيعية بالصدفة. فالدببة السوداء وغزلان المسك وطيور الكركي وغيرها من الفصائل الأخرى مزدهرة هنا، طالما تتفادى 800 ألف لغم أرضي.
ويخفي مشهد التنسيق الحضري أن المنطقة منزوعة السلاح مقبرة جماعية غير واضحة المعالم. وتحت السطح دُفنت رفات زهاء 10 آلاف جندي كوري جنوبي و2000 جندي أميركي، إلى جانب عدد غير معروف من جنود كوريا الشمالية.
وحتى العام الماضي، كنت أتصور أن المنطقة بين البلدين يمكن أن تكون مقبرة لأفق السلام!
لكن الرئيسين ترامب وكيم التقيا، بتشجيع من الرئيس الكوري الجنوبي «مون جاي – إن»، مرتين لمناقشة إنهاء برنامج الأسلحة النووية الكوري الشمالي قبل «قمة المصافحة» الأسبوع الماضي في المنطقة منزوعة السلاح. وفي هذه الأثناء، أدت المحادثات بين زعيمي الكوريتين إلى تغييرات تدريجية في العلاقات بين البلدين، بما في ذلك إزالة 10 أبراج حراسة من كل جانب على الحدود، وحظر على الأسلحة في المنطقة الأمنية. وتمثل هذه الخطوات البسيطة أكبر تقدم نحو نزع فتيل الأزمة منذ نحو عقد، حتى وإن واجهت انتقادات بأنها مجرد خطوات رمزية إلى حد كبير.
وصلنا إلى المحطة النهائية في جولتنا، عند محطة قطارات «دوراسان» التي افتتحت في 2002 قرب الحدود الجنوبية للمنطقة منزوعة السلاح. ويتجه خط السكة الحديد إلى كوريا الشمالية، لكن منذ انطلاق قطارات الشحن لفترة قصيرة قبل عقد، لا يزال الطريق مغلقاً.
وبدت المحطة هادئة ونظيفة، بما في ذلك منطقة الجمارك، والجدول الزمني الإلكتروني، والسهم الذي يشير إلى محطة «توحيد الكوريتين».
وحتى الآن، ربما تكون هذه هي المحطة الأخيرة في الجنوب، لكن يوماً ما قد تصبح المحطة الأولى إلى الشمال.
*محلل سياسي أميركي
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»